حب وحزم

صراع داخلي بداخل كل أب وأم يتطور إلى صراع خارجي داخل البيت وبين الوالدين والأبنلء وذلك إذا لم يتم حسمه بالشكل الصحيح..

بداخل كل أب وأم حب فطري لأبنائهم يحرصون على الحفاظ عليه، والسعى لزيادة هذا الحب يومًا بعد الآخر، والبعد عن كل ما ينتقصه.. وللأسف يختلط الأمر على الكثير من الآباء والأمهات بين معاني الحب ومعاني نواقصه..

  • يتساءل الكثير منهم في مواقف كثيرة هل أفعالي تثبت حبي لأبنائي أم تثبت عكس ذلك؟ ويظهر ذلك جليًا حينما يجد الأب أو الأم أنه مضطر لرفض طلب أحد أبناءه أو أنه مضطر أن يفرض على ابنه أو ابنته عقابًا ما لخطأ ما قد صدر من ابنه أو ابنته.. ساعتها يشعر الكثير ممن وضعوا في مثل هذه المواقف بالحيرة وذلك لأن هناك من يترجم رفض طلبات أولاده على أنها نقص في المحبة رغم أنه يعلم جيدًا أن تلبية كل طلباته هو أمر مستحيل، كما أنها تؤدي إلى شخصية رخوة ضعيفة..
  • كذلك كيف لي أن أعاقب ابني على ما فعل من أخطاء رغم أني أحبه؟
  • هل يتعارض العقاب مع الحب؟
  • وهل العطاء المطلق يعني الحب؟
  • وهل المنع ينتقص من الحب؟
  • كيف أكون حازمًا دون أن أمس حبي لأبنائي؟

في الحقيقة ابنك أو ابنتك بحاجة ماسة لكلا الأمرين.. يحتاج للحب ويحتاج أيضًا للحزم.

وهنا يسرع البعض قائلاً لنفسه: أنا أقدر على إعطائه أحدهما لكن صعب أن أعطيه حب وفي نفس الوقت أشعره بالحزم.

إن كنت ممن تسارعت هذه الفكرة إلى ذهنه فواصل معنا القراءة وستغير وجهة نظرك في آخر المقال.

بادئ ذي بدء منح الحب لأبنائك هو حق لهم وضرورة من ضروريات التنشئة السليمة السعيدة المستقرة الآمنة.. ورغم ذلك فإن الكثير رغم فيضان قلبه بمشاعر الحب لأبنائه فإن تلك المشاعر الفياضة تظل حبيسة قفصه الصدري ولا يصل منها – إن وصل – إلا القليل لأبنائه..

طبيعة بشرية أن يحب الإنسان الإطراء والمدح وأن يشعر بأنه مرغوب في وجوده وإنه مقبول من المحيطين به لذا فالوالدان هما المصدر الأول لسد هذا الاحتياج..

يكتفي الكثير من الآباء بالتعبير العملي عن  حبهم لأبنائهم وجلب احتياجاتهم وتوفير وشراء أفضل الثياب والطعام والنزهة والرحلات والهدايا وكل سبل الترفيه.. كل ذلك جميل ورائع لكن هل يكفي؟ بالطبع لا..

أنت تضحي بالكثير من مالك ووقتك ومشاعرك من أجل أبنائك لتعبر لهم عمليًا عن حبك، لكن الحقيقة أن ترك أبناءك “يستنتجون” أنك تحبهم أمر صعب.. أنت تظن أنك بهدية أو فسحة أو لعبة أن طفلك قد استنتج أنك تحبه وإن كان ذلك أمرًا منطقيًا لكن ليس بالضرورة أن يحدث.. تحتاج للتصريح لفظيًا أنك تحب ابنك.. لا تتركه يستنتج ذلك..

فقط قلها صراحةً (أنا بحبك أوي وبحمد ربنا أنه وهبني ولد “أو بنت” زيك).

قلها صراحةً (أنا جبتلك الهدية دي علشان بحبك)

قلها صراحةً (إحنا رايحين الرحلة دي علشان بحبكم)

أكد ليل نهار مع كل فرصة وبدون أنك تحب ابنك ولاسيما إن كان ذلك يصاحب تعبيرًا عمليًا كالهدية أو الملبس أو غيرها.. لكن الأهم أن تقول والقول سهل ولا يستدعي أن تربط قولك بشئ عملي محسوس بل أقول أنه لابد من تكرار هذه المعاني (بألفاظ مختلفة) عدة مرات يوميًا.

والتصريح اللفظي بالمحبة هدى نبوي ثابت من السنة.. حيث قال نبينا “صلى الله عليه وسلم” في الحديث الذي صحيحه البخاري في الأدب المفرد (إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه) أى أن النبى عليه أفضل الصلاة والسلام وصانا أن نصرح لفظيًا بالحب ولا نتوقف فقط اعتمادًا على استنتاج ذلك، وبالتأكيد فإن هذه الوصية النبوية لها قيمة عظيمة في تقوية الروابط بين أفراد المجتمع المسلم.. لذا كانت نموذجًا لنا داخل بيوتنا.

وسائل التعبير عن الحب مع الأبناء:

  1. التعبير اللفظي:

كما ذكرنا في الأسطر السابقة لابد من التعبير المباشر عن ذلك للأبناء.

  1. التعبير العملي:

حاول أن تكون سببًا في توفير ما يحب أبناؤك من أنشطة واهتمامات، بالطبع بما لا يضر

  1. التقارب مع الأبناء:

يقول المثل الإنجليزي: Out of Sight.. Out of Mind ويقول المصريون مثلاً بنفس المعنى “البعيد عن العين بعيد عن القلب” لن نكون متشددين ونقول أنه لابد من التقارب الجسدي ولفترات طويلة لكن بمعنى أن تتواجد في حياة أبناءك.. إعطهم وقتًا حسب سنهم وشاركهم جزءًا من اهتماماتهم، ودعني أقول لك بصراحة حاول أن تتظاهر بالاهتمام بما يهتمون حتى إن كنت لا تميل لمشاهدة الكرتون أو ممارسة لعبة، تظاهر أنك مهتم وأنك تحترم هذا النشاط.

في السنوات الأخيرة أصبح الاعتماد على التواصل الإلكتروني والسوشيال ميديا كما يسمونها وكانت لا محالة جزءًا من التواصل بين البشر، فما المانع أن تتواجد إلكترونيًا بين أبناءك على الواتس آب أو الفيس بوك، إن كنت واثق أنك ستجدهم هناك فما المانع أن تقترب منهم بالتواصل معهم كما تتواصل مع أصدقاءك.

  1. الامتناع عن كل ما يتعارض مع الحب:

“أنا بأكرهك” – “أنا زهقت منك” – “مش عايزة أشوف وشك” – “مش ح أكلمك”

هذه عينة من كلمات تطلقها الكثير من الأمهات والآباء في وجود أبنائهم.. رغم يقيني أنهم يحبون أبناءهم لكن الأطفال وحتى المراهقين سيختزلون هذه الجمل بعيدًا عن كل ما فعل آباؤهم وأمهاتهم من أمور طيبة وتدل على الحب ولن يذكروها، بل سيعلق بداخل رؤوسهم فقط هذه العبارات والإشارات.. وبالفعل الكثير من الأبناء لا يفهمون أن الأب أو الأم يقولون ذلك تعبيرًا عن رفضهم لسلوك معين من الابن أو البنت لكن سيصل إليهم المعنى السطحي بدون تجريد “مش بيحبوني” كان يكفيك أن تنتقد سلوكه وليس شخصه.

بهذه الرسائل الأربعة فأنت تمنح أطفالك حبًا فياضًا يحتاجونه وهذا الرصيد من الحب الذي منحتهم إياه يعطيك الشجاعة وأنت مطمئن أن تسعى لتحقيق الحزم بين أبناءك.

الحــــــزم

عندما نتحدث عن الحزم فإن المعنى يختلط عند الكثيرين بين الحزم والشدة.. أو الحزم والعنف والضرب..

الحزم شئ وكل ما سبق ذكره شئ آخر مختلف تمامًا.. فنحن لا نعني بالحزم صوت عال أو تعامل عنيف لكن نعني به أن تكون للبيت قواعد وتشريعات يجب الالتزام بها.. أن يكون هناك نظام ينظم أوقات المذاكرة، أوقات اللعب، أوقات الترفيه.. قوانين منزلية تبين كيف أحصل على طلب من والدتي..ببساطة أن تسن قواعد مثل:

التلفاز بعد الإنتهاء من كتابة الواجب.. أن ترسي ذلك كقاعدة.. وينتهي الأمر بعدها ومهما حاول طفلك الإلحاح لمشاهدة التلفاز فيكفي أن ترد هادئًا “إحنا مش قلنا التليفزيون بعد الواجب”

الحزم يعني الحديث بهدوء للإلتزام بالقواعد المعلنة وبالطبع ستحتاج إلى 3 أمور:

  1. وضع القواعد.
  2. إعلان القواعد.
  3. إعلان العقوبات عند مخالفة القواعد.

مثلاً (لو حاولت تشغل التليفزيون قبل الواجب ح تتحرم منه النهاردة وبكرة)

بشئ من الوضوح والهدوء وتحت مظلة الحب التي أسسناها في الخطوات السابقة:

  • الحزم مع الحب يصنع شخصية قوية واثقة.
  • الحب فقط يصنع شخصية رخوة.
  • الحزم فقط يصنع شخصية جبانة متشددة.
  • غياب الحب والحزم أسوأ أنماط التربية فلا تتوقع خير مع الإهمال والتفريط.

ومما سبق فابنك يحتاج منك قدرًا كافيًا من الحزم بالإضافة لقدرًا كافيًا من الحزم بالإضافة لقدرًا كافيًا موازيًا من الحب ولا يغني أحدهما عن الآخر.. هى مسئوليتك فأعرف جيدًا أنه لا بديل عنك.. وإن كنت تجد صعوبة في تنفيذ أحدهما فاسأل المتخصصين ليساعدوك ولا تستعيض بواحد عن الآخر لأن هناك من الآباء والأمهات من يحسن إعطاء الحب ويصعب عليه أمر الحزم، ولتعويض عجزه في مسألة الحزم يعطي المزيد من الحب والعكس، فإن من الآباء والأمهات من يجد صعوبة في إبراز حبهم ويسهل عليهم تطبيق الحزم فيستعيضوا عن الحب الناقص بمزيد من الحزم..

تربية أبناءك تحتاج إلى تعليم كباقي شئون الحياة.. لا تخجل من البحث عن هذا العلم

عن د.محمد حسين

دكتور محمد حسين؛ مؤسس موقع نفسي دوت نت. استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان استشاري الطب النفسي للأطفال والمراهقين. الزمالة المصرية للطب النفسى الزمالةالمصرية لطب النفس الأطفال والمراهقين عضو الجمعية المصرية للطب النفسي. عضو الجمعية المصرية للعلاج المعرفي السلوكي. عضو الجمعية المصرية للطب النفسي للأطفال والمراهقين.

أبحث أيضاً في

الهلع له علاج

إضطراب الهلع من الإضطرابات النفسية الشهيرة ورغم إنتشاره إلا إن  كتير من الناس ليس لديها …