إضطرابات الشخصية

تعتبر الشخصية، بحسب تعريفات علم النفس العلاجي, هي اسم جامع مركب من الطبع, الصفات, الاحاسيس, الافكار والسلوكيات المتاصلة والفريدة لدى شخص معين؛ فمن الممكن ايجاد تنوع واسع بين الاشخاص، من حيث الصفات والتراكيب الشخصية، في تجمع سكاني واحد.

عندما تكون هذه التراكيب المختلفة للشخصية حادة, تفتقد الى الليونة ودائمة التردد, فعندها تدعى بالشخصية “غير الطبيعية” (او ان صاحبها يعاني من الاضطرابات النفسية)، اذ عندما تطرأ ظروف مغايرة تتطلب ليونة في هذه المكونات الشخصية, فاذا كان الشخص ذا مركبات تفتقر الى الليونة في شخصيته، فقد تحد من قدرته على التاقلم, وبالتالي يكون المصاب باضطرابات الشخصية معرضا للوقوع في الازمات والمعاناة, عاجزا عن ممارسة حياة طبيعية.

لا يعي ذو الشخصية غير الطبيعية اشكالية هذا الاختلاف, بل يكون على قناعة ان المشكلة التي تواجهه تكمن في الاشخاص والظروف المحيطة به, وهذا ما يعيق احتمالات العلاج، اذ لا يستجيب الشخص للعلاج، وفي اكثر الحالات لا يرى حاجة للعلاج او التغير. يبدا ظهور هذه الشخصية غير الطبيعية عند الفرد في جيل المراهقة, وخلافا للمرض النفسي, تعتبر الشخصية غير الطبيعية تركيبة ثابتة للفرد، ومن غير الوارد ان يؤثر فيها العلاج الدوائي.

قد يكمن اصل المشكلة – لتشكل الشخصية غير الطبيعية (او للاضطراب في الشخصية) – في العوامل الوراثية والعوامل المحيطة. يتم تصنيف انواع اضطرابات الشخصية لمجموعات وانواع محددة، بحسب نظام تصنيف وتشخيص انواع الشخصية المتعارف عليه في علم النفس العلاجي (DSM).

يتم التصنيف وفق عوامل مشتركة لانواع مختلفة، بحيث تحوي كل مجموعه انواعا مختلفة، الا ان بينها عوامل اساسية مشتركة؛ مما يعني ان من الوارد وجود شخصيات مختلفة في ذات المجموعة.

يتوفر العلاج النفسي المرضي لمعالجة هذه الظاهرة، كما وتتوفر علاجات دوائية مساعدة لمنع، او علاج المخاوف التي تنشا عند المرضى في مثل حالات الاكتئاب والخوف.

المجموعة الاولى

تندرج ضمن هذه المجموعة انواع الاشخاص الانعزاليين او المنعزلين والذين يعتبرهم الاخرون غريبي الاطوار ومختلفين.

  • اضطراب الشخصية المرتابة (Paranoid personality):

يتميز المصابون باضطراب الشخصية المرتابة، بفهمهم لسلوكيات الاخرين، على انها موجهه لتهديد والحاق الاذى بهم. غالبا ما يكون اصحاب هذه الشخصية كثيرو الشك، ومن الصعب ان يثقوا بالاخرين؛ وتشكل هذه التصرفات بالنسبة لهم الية للحماية من المحيطين بهم، ومن الاضرار التي قد تلحق بهم، بسبب عدوانية وعدم نزاهة المحيطين. قد تشكل هذه التصرفات مشكلة حقيقية للمصابين بهذا الاضطراب، وقد تلحق الكثير من الضرر في حياتهم الاجتماعية, العملية, الزوجية وقد يسبب الافراط فيها جلب كل المتاعب وحدوث الكوارث التي يخافون منها اصلا، كالتسبب في الطلاق او الفصل من العمل.

  • اضطراب الشخصية الانعزالية (Schizoid personality):

يتميز المصابون بهذا الاضطراب بالانطوائية والانعزالية، ولا يشعرون بالحاجة لصحبة الاخرين. غالبا ما يقومون بالنشاطات التي تتطلب الانعزالية. ويختار ذوو الشخصية الانعزالية العمل في مهن لا تتطلب العمل الجماعي. يفضل المصابون بهذا الاضطراب، في كثير من الاحيان، قضاء اوقاتهم في النشاطات الفكرية والنظرية، وان يكرسوا عواطفهم في الاهتمام بالحيوانات عوضا عن اهتمامهم بغيرهم من البشر.

  • اضطراب الشخصية الفصامية (Schizotypal personality):

يشبه صاحب هذه الشخصية, الشخصية الانعزالية بعض الشيء، الا انه يكون اكثر غرابة، وبطريقة تثير الانتباه لاسلوب الملبس والكلام. يؤمن عادة بالافكار الفلسفية والغريبة. عادة ما يكون المصابون باضراب الشخصية الفصامية قليلو الارتباطات الاجتماعية ويجدون صعوبة في الاندماج مع الاخرين. يشبه عالمهم الداخلي عالم الاطفال، مليء بالاصدقاء الخياليين, ولديهم الكثير من المخاوف والتخيلات. وغالبا ما يكونون عرضة للاصابة بالاكتئاب المزمن.

المجموعة الثانية:

تندرج ضمن هذه المجموعة انواع الشخصيات المتلونة, كالاشخاص الذين تتسم سلوكياتهم بالحدة مع المحيطين بهم، وغالبا ما تكون متضاربة وغير متناسقة؛ كما وتندرج الشخصيات الحدودية وغير الاجتماعية ضمن هذا التصنيف.

  • اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic personality disorder):

يشبه اصحاب هذه الشخصية, شخصية نركيس الاسطورية، الذي وقع في حب صورته المنعكسة على الماء، مستغرقا بشؤونه دون الاحساس بوجود الاخرين. كثيرا ما يشعر المصابون باضطراب هذه الشخصية بالتعالي، وبانهم اصحاب شان ويبنون التخيلات التي تشعرهم بانهم متميزون ولامعون. يتصرفون احيانا، باستغلالية جليلة وينتظرون تلقي الاستحسان والتقدير الكبيرين من المحيطين بهم. لا تكون كل هذه التصرفات، في كثير من الاحيان، الا ستارا يداري شخصيتهم المهزوزة وشعورهم بالحاجة الدائمة الى محفزات ايجابية، وتلقي الدعم من الاخرين. يجد اصحاب هذا الاضطراب صعوبة كبيرة في بناء العلاقات الشخصية، وغالبا ما يعانون الوحدة, كما ويكونون عرضة للاصابة بالاكتئاب، وخاصة مع التقدم في السن.

  • اضطراب الشخصية الهستيرية (Histrionic Personality Disorder):

قد يظن البعض ان غالبية المصابين بهذا الاضطراب، هم من جمهور السيدات, بسبب ان اصحاب هذه الشخصية يعانون فرط الحساسية ويسعون دوما ليكونوا في مركز اهتمام الاخرين. يبالغون في التعبير عن عواطفهم، ويميلون الى الخداع والمبالغة. قد تظهر تصرفاتهم مغرية بعض الشيء (بحسب الافكار المسبقة للمتلقي). قد تستتر تحت هذا الغطاء معاناة عاطفية عميقة, بعيدة المدى، والتي تحتاج الكثير من التهدئة. يميل اصحاب هذا الاضطراب للاصابة بامراض جسمانية مع انعدام وجود سبب عضوي حقيقي.

المجموعة الثالثة:

تندرج ضمن هذه المجموعة انواع الشخصيات التي تبدو للاخرين وكانهم دائمو الخوف والانزعاج وتضم:

  • اضطراب الشخصية التجنبية:

يشبه المصابون بهذا الاضطراب، اولئك الذين يعانون من اضطراب الشخصية الانعزالية, اذ يكونون في الغالب منعزلين ولا يرتاحون للاختلاط بالاخرين. الا ان تجنبهم الاختلاط بالاخرين، نابع من استصغارهم للذات ولقدراتهم، واحتقارهم لانفسهم بشكل مبالغ فيه. يحاول هؤلاء الاشخاص تجنب الاختلاط بالناس رغم رغبتهم الشديدة بالاختلاط, خوفا من تلقي الانتقادات من الاخرين. عادة ما يكونون كثيريالخجل, عديمي الثقة بانفسهم وسريعي التاثر. تسبب لهم هذه الصفات الفشل في علاقاتهم الشخصية وفي حياتهم العملية.

  • اضطراب الشخصية الاعتمادية:

يتميز المصابون بهذا الاضطراب باحساسهم بالخوف وباستصغارهم لانفسهم, الا انهم يتميزون باحتياجهم للاخرين لمساندتهم في اتخاذ القرارات. توجد لديهم الدوافع في بناء علاقة اتكالية مع شخص اخر. كثيرا ما يجعلهم هذا الاضطراب عرضة لاستغلال الاخرين لهم. وعادة ما يقبلون هذه العلاقة التي يشوبها الاستغلال خوفا من البقاء وحدهم. قد يعايش صاحب الشخصية الاعتمادية الكثير من الاضطرابات النفسية، عندما ينفصل عنه من يعتمد عليه.

  • اضطراب الشخصية الوسواسية:

يتميز اصحاب الشخصية الوسواسية بدقة التنظيم والتخطيط، وباهتمامهم الشديد بادق التفاصيل وصغائر الامور. عادة ما يجابهون الصعوبات في القيام بالمهام، بسبب نزعتهم للكمال, بحيث يهتمون بان تنجز المهمات على اكمل وجه، حتى في اصغر التفاصيل. كذلك من الصعب عليهم الاشتراك مع الاخرين في الاعمال، لحرصهم المفرط في انجاز الاعمال بالطريقة المخطط لها، وعدم تقبلهم للتغيير والعفوية. قد ينظر اليهم البعض على انهم اصحاب مشاعر ضحلة، وقد ينظر اليهم اخرون على انهم يحملون الضغينة. من السهل والملائم لهم العمل في الاعمال التي تتطلب الكثير من الدقة في التفاصيل، مثل ادارة ورقابة الحسابات. وقد يكون هؤلاء عرضة للاصابة بالاكتئاب عند الظروف التي تتطلب الخروج عن الرتابة, مثل تلقيهم ترقية في مكان العمل.

  • اضطراب الشخصية العدائية – السلبية (Passive – aggressive):

يتميز المصابون باضطراب الشخصية العدائية – السلبية، بعدم المقدرة على التعبير عن العدوانية ظاهريا وبشكل مباشر, بل يلجئون للتعبير عن هجوميتهم بالخفاء وبطرق ملتوية، مثل عدم النجاعة في العمل، الجدال, الشكوى والتذمر والنقد المبالغ فيه. كثيرا ما يشعر اصحاب هذا الاضطراب بانهم سيئو الحظ، وعادة ما يكونون كثيري الحسد للاخرين. يثيرون الكثير من الغضب في علاقاتهم مع الاخرين، واحيانا يجرون على انفسهم العداء بشكل ظاهر؛ لهذا السبب كثيرا ما يفشل المصابون بهذا الاضطراب في بناء علاقتهم مع الاخرين، ويسبب لهم الضرر في مختلف مناحي حياتهم الشخصية, العملية والاجتماعيه.

عن د.أحمد شوقي

دكتور أحمد شوقي ماجستير أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي جامعة الأسكندريه. المدير الطبي لدار نقاهة بدايه للتأهيل. مدير عيادة الإدمان والمشرف العام علي المرصد القومي للادمان بمستشفي عباس حلمي للعلاج النفسي والادمان. نائب مدير مستشفي عباس حلمي للعلاج النفسي والادمان التابعه للامانه العامه للصحه النفسيه. عضو بالمجلس الاقليمي للصحه النفسيه بالاسكندريه والتابع للمجلس القومي للصحه النفسيه بالقاهره.

أبحث أيضاً في

علامات وأعراض الاضطراب الوجداني ثنائي القطب

  كلنا معرضون لأن يتفاوت مزاجنا بين الهبوط و الصعود. و لكن مع اضطراب ثنائي …