حرب الحشيش

حرب الحشيش
تقنين تعاطي الحشيش بين ثقافة المجتمع وهجوم شركات التبغ عابرة القارات
بقلم : د. أيمن حامد                                                           
إستشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان ومدير مركز علاج الإدمان السابق بمستشفي المعمورة بالأسكندرية


لماذا ارتفعت أصواتا تنادي بتقنين الحشيش الآن ؟

ماهي الحقيقة العلمية لهذه المادة ؟

هل هي مخدرة حقا !

كي نجيب علي هذه الأسئلة، يجب أن نلقي الضوء أولاً علي عدة نقاط قد تخفى على غير المتخصصين وسنحاول أن نوجزها فيما يلي :
1 – يعرف كل من يعمل في مجال الإدمان أن للشعوب أمزجة وميول في تناول المخدرات؛ حيث تفضل بعض الشعوب تناول الكحوليات كالغربيين، أو حتي في العراق والسودان حيث ينتشر تناول شراب العرقي الكحولي المستخلص من البلح، بينما تفضل شعوبا أخري المنبهات والكوكايين كبعض أبناء الخليج أو الأمريكتين .
2 –  لا يخفي علي أحد أن الشعب المصري يفضل تدخين الحشيش حيث يعتبره البعض ( فرع دخان ) أي أنه لا يعتبره إدمانا حيث يدخنها أسبوعيا أو أكثر قليلا، وهي مادة مثبطة للمخ والجهاز العصبي تسمي علميا تتيتراهيدروكانابينول أو الكنابس (THC or Cannabis) تستخرج من شجرة القنب الهندي وهي تسبب النشوة في أول تعاطيها مع إختلال في إدراك الوقت والمسافات .
3 –  يعزز هذه الثقافة أن الحشيش لا يسبب أعراضا إنسحابيه عند الإنقطاع عنه ويبرر ذلك علميا بتخزنه في الدهون وإنسحابه ببطء من الجسم لمدد زمنية طويلة  قد تبلغ أربعة أسابيع وربما أكثر .
4 –  تعرض المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير 2011 لهجمة بشعة من عقار طبي مخلق كليا في المعامل وهو أقراص الترامادول وهو مسكن قوي للألام ويعمل شبييه الأفيونات Opiate like substance .ونظرا لسهولة الحصول علي عقار الترامادول ورخص أسعارة ( وصل سعر القرص في بعض الأحيان إلي جنية واحد فقط ) وتأثيره المسكن للألم إنتشر كالنار في الهشيم خصوصاً بين الحرفيين وأصحاب المهن الشاقة والسائقين، حيث خاصية تسكين الألم يتيح لهم العمل عدد ساعات أكثر في بدايات تعاطية، ونستطيع أن نطلق علي هذه المرحلة شهر العسل مع المخدر ، لكن مع الإستمرار فيه وزيادة الجرعات تتدهور الإنتاجية والحالة الصحية تماماً .
5 – نستطيع ان نطلق علي هذه سنواتنا الراهنة ( سنوات وباء الترامادول ) حيث كان إنتشاره بشكل وبائي إلا أنه رغم ذلك لم يؤثر علي تعاطي الحشيش البوابة الأم والمادة المفضلة لدي الشخصية المصرية .
6 – مع تعافي الدولة وظبط الحدود، قل المعروض من الترامادول وارتفعت أسعاره بشكل جنوني ( وصل سعر القرص الواحد لثلاثين جنيها ) وهو ما دفع بمتعاطيه إلى طلب العلاج أو التبديل بعقاقير أخري والإعتماد على الحشيش .
7 – لكن المجموعة الاخطر هي التي إنزلقت إلى تعاطي الأفيونات ومنها الهيروين ( عقار شبه مخلق من نبات الخشخاش ) وهي مادة شديدة الادمان (  حجم الانفاق اليومي عليها حوالي مائة جنيها ) وهي تكلفه تعادل ثلاثة اقراص من الترامادول بعد ارتفاع اسعاره ! وهو ما حدا بالعديد من المختصين بالتحذير من هجمه لإدمان الهيروين الخطير بمصر حيث يتعرض مدمنوه عن طريق الحقن لمخاطر الاصابه بالفيروسات الكبدية وفيروس نقص المناعة ( الايدز ) ولهذا انتشرت طرق اخري للتعاطي كإستنشاق دخان المادة المحترقه .
8 – علي المستوي العالمي أعلنت أكبر شركة منتجة للتبغ في العالم فيليب موريس بمارس 2015 عن منتج جديد يحتوي علي المادة الفعالة للحشيش ( Cannabis ) وهي ليست الشركة الوحيدة التي تنتج هذه السجائر في السنوات الاخيرة .
9 – أعلنت هذه الشركة عن تخصيص مبلغ 15 مليار دولار لترويج سلعتها الجديدة عالمياً حيث تسمح بتداوله بعض الدول مثل هولاندا والبرتغال في أوروبا وتم السماح بتداول الحشيش في ولايتين أمريكيتين وهما واشنجتون وكلورادو ، وهو مبلغ يناهز مائة مليار جنية مصري !
10 – يتلاحظ أن 80 % من مدخني التبغ ( السجائر )في العالم الآن من سكان افريقيا وآسيا والدول المتوسطة والمحدودة الدخل حيث نجحت الحملات الحكومية والمنظمات الغير حكومية في أوروبا وأمريكا من الحد بشكل كبير جدا من تدخين التبغ.
11 – في هذا التوقيت الغريب والذي تلاقت فيه كل الخيوط ( إنتاج سجائر الماريجوانا – ارتفاع أسعار الترامادول – إرتفاع الأصوات المحذره من الغرق في مستنقع الهيروين ) تتعالي الأصوات المنادية بتقنين الحشيش ويا لها من مصادفه !
ولنا ملاحظات هامة علي الدول التي تسمح بتداول الماريجوانا او الحشيش ( كلها منتجات لشجرة القنب الهندي )
• أن هذه الدول تتمتع ببنية تشريعية وقانونية راسخة وتتمتع بتطبيق صارم للقانون .
• أن هذه الدول والولايات لديها منظومة صحية فائقة الجودة ومراصد لعلاج الإدمان تصل إلي رصد أي متطوع للعلاج في الإتحاد الاوروبي كله ما يتيح لها رصد أي حركة علاجية، أو مخدر جديد يتناوله المدمنين.
• تملك هذه الدول منظومات تعليمية راقية تعمل علي بناء وعي الإنسان والدليل علي ذلك إنخفاض الطلب علي تدخين السجائر والتبغ بشكل كبير جداً في السنوات الاخيرة.
• إن السماح بتداول الماريجوانا يعتبر أحد خطوات برنامج علمي متكامل لخفض المخاطر (Harm Reduction) التي يقع بها الشباب.
• أن ثقافة تعاطي الحشيش لا تشكل عبئاً علي المجتمعات الغربية مثل ما لدينا ( فلدى هذ المجتمعات مشاكل حقيقية مع تناول الكحوليات ) إذن فالحشيش مادة إدمانية بلا جدال وتحمل مخاطر حقيقية علي متعاطيها فلا يوجد مدمن هيروين لم يمر اليه عبر بوابته، فهو يعتبر البوابة الرئيسية لكل المخدرات الصعبة ومعني إباحته أو السماح بدخول هذه الأنواع من السجائر هو في الحقيقة توسعه لقاعدة عريضة جداً من الشباب، كما ستعمل علي خفض سن التعاطي لدى المراهقين وهو ما يمكن أن يسهل لهذه الفئات أن تنتقل لاحقاً لإدمان مواد أشد وطأة ، كما أن الحشيش وبذوره الحالية تعرضت هي الأخرى للهندسة الوراثية لإنتاج شجيرات مقاومة للتغيرات المناخية والأمراض بدافع الربح بالتأكيد، وهو ما أثر علي المنتج المستعمل وأصبحنا نري إكلينيكا حالات تصاب بالذهان ( وهو مرض عقلي حاد ) نتيجة تعاطي المخدرات أكثر بكثير مما كنا نعالجه قبل عشرين عاما ( Cannabis- induced psychotic disorder ) و كذلك الإصابه بمرض القلق وغيرها من الأمراض النفسية.
كما أن السماح بتداول الحشيش سيؤدي حتما لفشل العديد من برامج التعافي للمدمنين المتعالجين من إدمان الأفيونات كالهيروين ، حيث يتطلب التعافي الإبتعاد تماماً عن أي مواد إدمانية أخري، حتي لو كانت تعتبر بسيطه بالنسبه له كالحشيش، وهو ما سيكون مستحيلاً مع تداوله الآمن أو السماح بالسجائر التي تحتويه في الأسواق لتصبح ملك يديه في أي وقت ومكان .
وقبل أن نختم المقال لابد أن أذكركم بالتاريخ الذي ننساه في خضم الأحداث اليومية الصعبة، أذكركم بحروب الأفيون وهي حربين ، قامتا بين الامبراطورية الصينية وبريطانيا وفي الثانية، انضمت فرنسا إلى جانب بريطانيا. وكان السبب هو محاولة الصين الحد من زراعة الأفيون واستيراده، بعد أن أكتشفت السلطات الصينية حجم الخسائر الذي يسببه إدمان الأفيون، مما حدا ببريطانيا أن تقف في وجهها بسبب الأرباح الكبيرة التي كانت تجنيها بريطانيا من تجارة الأفيون في الصين.قامت حرب الأفيون في عام 1888 م.
في النهاية وبعد كل ما استعرضناه فإنني كمتخصص في علاج الإدمان والطب النفسي أرفض وبشده تقنين تعاطي وتداول الحشيش أو السجائر المحتويه علي هذه المادة الإدمانية في مجتمعنا المصري، وأدعو الله أن لا تحدث حروب خفية لتقنين تعاطيه تسمي لاحقا ( حرب الحشيش ) .
د. أيمن حامد

عن د.أيمن حامد

دكتور أيمن حامد إستشاري الطب النفسي وعلاج الادمان ومدرب بالزمالة المصرية للطب النفسي ومدرب بكورس الإدمان لطلبة كلية الطب بمستشفي المعمورة. صدر له كتاب مؤلف بعنوان أوهام الحب والزواج، كما شارك مناصفه في ترجمة كتاب هيلين فيشر لماذا نحب الصادر عن المركز القومي للترجمة وله العديد من المقالات والمقابلات الاعلامية بالاذاعة والتلفزيون.

أبحث أيضاً في

رينبو … وجه نظر غير تقليدية

رينبو هو علم المثليين والمتحولين جنسيا الذي تم رفعه في حفل مشروع ليلي بمصر …وكان …