أسباب التوحد.. ماذا يقول العلم

إحساس بالذنب تشعر به كثير من أمهات الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد فالأم تظن بأنها هي من كانت سببا في إصابة ابنها بهذا الاضطراب … كيف لا وهي تقرأ وتسمع كل اليوم عن أن سبب التوحد هو تعرض الطفل لشاشات الأجهزة لفترة طويلة في بداية حياته ..

كلام نراه كل يوم في المقالات وعلى شبكات التواصل بل ربما نسمعه حتى من أطباء وأخصائيين دون اعطاء أي دليل علمي من أبحاث أو إحصائيات موثوقة. للأسف هذا كلام يزيد في تدهور الوعي في مجتمعنا من حيث يريد التوعية والتعليم.

نعم الاخصائيون ينصحون بعدم تعريض الأطفال للشاشات نهائياً بأنواعها خاصة لفترات طويلة وخاصة في السنوات الأولى من العمر لأسباب كثيرة .. لكن أن نستخدم بعبع “التوحد” لتخويف الآباء بطريقة مبتذلة ومعلومات مغلوطة بهذه الطريق فهي مصيبة. بل أصبحت هذه الطريقة موضة في هذه الأيام وأصبحت هذه المعلومات من المسلمات عند غالبية الناس.

سنتحدث عن ((الأسباب)) فقط وليس عن آلية حدوث الاضطراب أو الخلل الذي يحدثه في الجهاز العصبي وليس عن الأعراض … لذلك سأذكر باختصار ما يقوله العلم حتى الآن عن أسباب اضطراب طيف التوحد:

  • في الدراسات التي تمت على التوائم المتطابقة (MZ twins) وجد أنه اذا كان أحد التوأمين مصابا بالتوحد فإن الآخر أيضا يكون مصابا بنسبة 96-90%. أي أن العامل الوراثي في اضطراب طيف التوحد يمثل أكثر من 90% وهي نسبة عالية جداً جدا وتدل على أن السبب الجيني هو السبب الأساسي للإصابة بهذا الاضطراب ويعتقد أن هناك أكثر من جين مسؤول عن ظهور هذا الاضطراب لكن حتى الآن لم يتوصل العلماء الى تحديد معظم الجينات المسؤولة ..
  • عند الإشارة للأسباب الأخرى (وهي تمثل 10% فقط) التي تؤدي للإصابة بطيف التوحد والتي لها إثباتات علمية نجد أنها قليلة جدا وتنحصر في الإصابة بأمراض عضوية واصابات فيروسية معينه في مراحل مبكرة من العمر.
  • أما فيما يتعلق بعوامل الخطورة (risk factors): (التي يزيد وجودها عند الطفل من فرصة إصابته بالتوحد إذا كان عنده استعداد جيني) فإن المراجع العلمية كلها تذكر :
    • مضاعفات الحمل
    • مضاعفات الولادة
    • العمر الكبير للأم
    • أو الطفل الأول .. الخ.
  • هذه أهم العوامل ولكن حتى هذه لم يثبت أثرها بشكل قاطع حتى الآن. -لم يثبت أبدا وجود علاقة بين حدوث اضطراب التوحد وبين بعض اللقاحات التي تعطى في المراحل الأولى من العمر كذلك لم يثبت أن تعرض الأطفال لشاشات الأجهزة لفترة طويلة يؤدي للتوحد.

 

  • الإحصاءات تقول أن نسبة الذكور المصابين هي 4 أضعاف نسبة الإناث وهذا إثبات آخر أن الأمر يعتمد في الأساس على العامل الجيني.
  • أيضا الإحصاءات تقول أن عدد الحالات المشخصة باضطراب طيف التوحد قد زاد في العقدين الماضيين بشكل كبير .. ولكن نفس هذه الإحصاءات تقول أن السبب ليس زيادة انتشار المرض نفسه … وإنما السبب هو أن طريقة التشخيص هي التي اختلفت .. أي أن تغير معايير التشخيص أدى لدخول عدد أكبر من الأطفال تحت وصف التوحد .. أما المرض فهو موجود منذ الأزل .

الاضطرابات النفسية والعقلية في مرحلة الطفولة كثيرة منها ما هو متعلق بالذكاء والقدرات العقلية أو متعلق بالتواصل أو النطق والكلام أو القراءة أو السلوك أو الشخصية .. إلخ. ربط كل مشكلة متعلقة بالنطق أو بالتواصل الاجتماعي او الذكاء ، ربطها بالتوحد هو جهل كبير وخلط غير علمي. أن يكون لديك طفل مصاب بالتوحد فذلك من أصعب ما يمكن أن يمر به الأبوان لما يمثله ذلك من ضغط نفسي شديد عليهما .. لذلك فتقديم الدعم والمساعدة لأم الطفل المصاب بالتوحد وإعطاءها المعلومات العلمية الصحيحة عن مشكلة ابنها هي أهم خطوة في علاج هؤلاء الأطفال.

عن د.زاهر عدي

باكالوريوس طب عام وجراحة - جامعة صنعاء - اليمن. ط. في الزمالة المصرية للطب النفسي. ط.م. مستشفى المعمورة للصحة النفسية - الاسكندرية. عضو الرابطة الطبية للمغتربين السوريين (sema)